فمدارس التحفيظ لم تكن مختلفة عن سواها من المدارس الحكومية سوى في حجم مقرر مادة العلوم ، فكان معلم المادة يقوم بإملائنا أسماء الدروس المحذوفة بداية كل عام و كانت لا تزيد عن ثلث المنهج و مقابل ذلك كان جدولنا يحوي حصتين للقرآن الكريم يومياً نقوم خلالها بتسميع واجب الحفظ من اليوم السابق و قراءة واجب اليوم الذي يليه ، بالإضافة إلى مادة التجويد التي أضيفت لمقرراتنا إبتداءً من الصف الرابع الإبتدائي .
و بحكم أحداث تلك الفترة السياسية و الإجتماعية و طبيعة مدرستنا فبكل تأكيد كان مدرسونا أقرب إلى التشدد الديني منهم إلى الإعتدال ، و لا أنكر أننا لقّنا العديد من الأحكام التي لا تمت للدين أو المنطق بصلة كتحريم لبس "الكاب" أو "الجينز" لأن فيه تشبهاً بالكفار و تحريم "الشطرنج" لأنه يلهي عن الصلاة .. إلخ ، و لكن هذه الأحكام لم تكن تلقّن لنا وحدنا كطلاب تحفيظ بل كانت هي ما نسمعه في الشارع و في وسائل الإعلام و حتى من بعض أفراد العائلة .
من يعتقد أن مدارس التحفيظ تركز فقط على حفظ كتاب الله - و بالرغم من ما في ذلك من شرف - إلا أنه مخطيء ، فمن المعروف أن حافظ كتاب الله بليغ و متذوق للأدب بأنواعه فكان جميع من مروا علينا من المعلمين لا بد أن يحيدوا بين الحين و الآخر عن المادة ليلقوا علينا بعض أبيات الشعر أو ينصحونا بالقراءة لبعض الشعراء ، و لا أستطيع نسيان معلمنا السوري الجليل (مصطفى) عندما كافئنا في الصف الثالث الإبتدائي على تسميعنا لواجب القرآن بتلقيننا بيت شعر للإمام الشافعي لا زلت أحفظه حتى الآن ..
و بالرغم من ذلك إلا أنني أتفق مع الكثير من منتقدي مدارس التحفيظ لعدم تركيزهم على التفسير بقدر تركيزهم على الحفظ ، فحفظ كتاب الله كاملاً خلال تسعة أعوام دراسية مهمة شبة مستحيلة .. فما بالك بمطالبة الطالب بحفظها و تدبرها خلال نفس المدة بالإضافة إلى التركيز على مواده الدراسية الأخرى .
و الحل هنا بيد وزارة التربية و التعليم .. فبدلاً من أن يكون حفظ القرآن كاملاً خلال المرحلتين الإبتدائية و المتوسطة و من ثم يتم تعليم الطالب القراءات في المرحلة الثانوية ، لما لا يتم توزيع حفظ القرآن على 12 سنة و تستبدل دراسة القراءات في المرحلة الثانوية بحصص تفسير يومية إبتداءً من المرحلة الإبتدائية .
قبل ما يقارب السنة وجدت صدفة مجموعة من زملاء الدراسة في الفيس بوك ، منهم من أصبح طبيباً و منهم من أصبح طياراً و منهم من يدرّس في نفس المدرسة التي درسنا بها ، تواصلت معهم و إستعدنا الذكريات و عندما سألتهم عن أحد الزملاء أبلغوني أنه إستشهد في العراق قبل سنوات رحمة الله عليه ، و بعد الكثير من التحقق و البحث لم أستطع أن أضع قانوناً لتوزيع خريجي دفعتي بين "دشير" و "متشددين" فهم كغيرهم من مخرجات تعليمنا ليس لهم نمط محدد و موزعون بين تخصصات و توجهات مختلفة .. بل أنهم بوجهة نظري - و أقبل إتهامكم لي بالتحيز - قد يكونون أكثر تميزاً في تخصصاتهم .
قد نكون لُقّنا سلوكيات توجه فكري معين خلال دراستنا في مدرسة تحفيظ القرآن كما يلقن أقراننا في المدارس الأخرى سلوكيات توجه فكري قد يكون مختلفاً لكننا في النهاية وصلنا لمرحلة النضج التي تسمح لنا بإعادة تقييم ما تم تلقينه لنا و تشكيل التوجه الفكري الخاص بنا ، و عندما أنظر بحيادية للإتهامات التي يوجهها البعض لمدارس تحفيظ القرآن كبؤر للتشدد الديني أو أداة كبت ينفجر بعدها الطالب إلى عالم الدشرة لا أجد فيها ما يقنع عاقل .
نهاية .. من السهل أن تتذمر لأن الطريق مليء بالحفر و لكن من الصعب أن تعترف بتحملك جزء من ذنب السقوط فيها لأنك لم تراها .
بالرغم من أن تويتر قد يكون في الكثير من الأحيان سبباً رئيسياً لأمراض القلب و الشرايين إلا أنه مصدر رائع لرصد وجهات نظر المجتمع بمختلف شرائحه ، و شدت إنتباهي قبل أيام وجهة نظر متعلقة بمدارس تحفيظ القرآن الكريم حيث يرى صاحبها أن مدارس تحفيظ القرآن حضّانه للمتطرفين من الجهتين .. فإما أن يكون خريجها متشدداً دينياً يكفّر هذا و يتوعد ذاك أو يكون داشراً بمرتبة وزير .
و بما أني خريج أحد مدارس التحفيظ بمدينة جدة و كان لها الفضل علي بعد الله في حفظ كتابه من سورة الفاتحة و حتى البقرة و قضيت فيها تسعة سنوات في أشد فترات التشدد الديني "منذ بداية التسعينات الميلادية" .. وجدت أنني مؤهلٌ بما يكفي لأدلي بدلوي في هذا الموضوع .فمدارس التحفيظ لم تكن مختلفة عن سواها من المدارس الحكومية سوى في حجم مقرر مادة العلوم ، فكان معلم المادة يقوم بإملائنا أسماء الدروس المحذوفة بداية كل عام و كانت لا تزيد عن ثلث المنهج و مقابل ذلك كان جدولنا يحوي حصتين للقرآن الكريم يومياً نقوم خلالها بتسميع واجب الحفظ من اليوم السابق و قراءة واجب اليوم الذي يليه ، بالإضافة إلى مادة التجويد التي أضيفت لمقرراتنا إبتداءً من الصف الرابع الإبتدائي .
و بحكم أحداث تلك الفترة السياسية و الإجتماعية و طبيعة مدرستنا فبكل تأكيد كان مدرسونا أقرب إلى التشدد الديني منهم إلى الإعتدال ، و لا أنكر أننا لقّنا العديد من الأحكام التي لا تمت للدين أو المنطق بصلة كتحريم لبس "الكاب" أو "الجينز" لأن فيه تشبهاً بالكفار و تحريم "الشطرنج" لأنه يلهي عن الصلاة .. إلخ ، و لكن هذه الأحكام لم تكن تلقّن لنا وحدنا كطلاب تحفيظ بل كانت هي ما نسمعه في الشارع و في وسائل الإعلام و حتى من بعض أفراد العائلة .
من يعتقد أن مدارس التحفيظ تركز فقط على حفظ كتاب الله - و بالرغم من ما في ذلك من شرف - إلا أنه مخطيء ، فمن المعروف أن حافظ كتاب الله بليغ و متذوق للأدب بأنواعه فكان جميع من مروا علينا من المعلمين لا بد أن يحيدوا بين الحين و الآخر عن المادة ليلقوا علينا بعض أبيات الشعر أو ينصحونا بالقراءة لبعض الشعراء ، و لا أستطيع نسيان معلمنا السوري الجليل (مصطفى) عندما كافئنا في الصف الثالث الإبتدائي على تسميعنا لواجب القرآن بتلقيننا بيت شعر للإمام الشافعي لا زلت أحفظه حتى الآن ..
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها ~*~ صديقاً صدوقاً صادق الوعد منصفا
و الحل هنا بيد وزارة التربية و التعليم .. فبدلاً من أن يكون حفظ القرآن كاملاً خلال المرحلتين الإبتدائية و المتوسطة و من ثم يتم تعليم الطالب القراءات في المرحلة الثانوية ، لما لا يتم توزيع حفظ القرآن على 12 سنة و تستبدل دراسة القراءات في المرحلة الثانوية بحصص تفسير يومية إبتداءً من المرحلة الإبتدائية .
قبل ما يقارب السنة وجدت صدفة مجموعة من زملاء الدراسة في الفيس بوك ، منهم من أصبح طبيباً و منهم من أصبح طياراً و منهم من يدرّس في نفس المدرسة التي درسنا بها ، تواصلت معهم و إستعدنا الذكريات و عندما سألتهم عن أحد الزملاء أبلغوني أنه إستشهد في العراق قبل سنوات رحمة الله عليه ، و بعد الكثير من التحقق و البحث لم أستطع أن أضع قانوناً لتوزيع خريجي دفعتي بين "دشير" و "متشددين" فهم كغيرهم من مخرجات تعليمنا ليس لهم نمط محدد و موزعون بين تخصصات و توجهات مختلفة .. بل أنهم بوجهة نظري - و أقبل إتهامكم لي بالتحيز - قد يكونون أكثر تميزاً في تخصصاتهم .
قد نكون لُقّنا سلوكيات توجه فكري معين خلال دراستنا في مدرسة تحفيظ القرآن كما يلقن أقراننا في المدارس الأخرى سلوكيات توجه فكري قد يكون مختلفاً لكننا في النهاية وصلنا لمرحلة النضج التي تسمح لنا بإعادة تقييم ما تم تلقينه لنا و تشكيل التوجه الفكري الخاص بنا ، و عندما أنظر بحيادية للإتهامات التي يوجهها البعض لمدارس تحفيظ القرآن كبؤر للتشدد الديني أو أداة كبت ينفجر بعدها الطالب إلى عالم الدشرة لا أجد فيها ما يقنع عاقل .
نهاية .. من السهل أن تتذمر لأن الطريق مليء بالحفر و لكن من الصعب أن تعترف بتحملك جزء من ذنب السقوط فيها لأنك لم تراها .
أسعد بمتابعتكم في تويتر @Mola7dat .
... و سلامي .
9 التعليقات:
أحسنت!
اعتقادي أنه كلما كان الطفل حافظا للقرآن كان أداؤه الدراسي جيدا حسب جودة حفظه .. على الأقل هذا ما لاحظته في أبنائي الخمسة الأول .. أجودهم حفظا كان أكثرهم تفوقا .. ليس بالضرورة في مدارس التحفيظ وإنما في الحلقات أيضأ ..
من. جد في ناس لازم يفهمو كل ما سوينا شيء قالو بنات تحفيظ وتسو كذا. ايش خليتو للبنات الثانين طيب من قال انو احنا ملائكه. ترى بنغلط زي ما بتغلط و
الحفظ في الصغر اكثر سهولة
كنت طالبة في احدى مدارس جدة
بيقت فيها من التمهيدي حتى الصف الثالث
لا انسى كمية التركيز عالحفظ واحكام التجويد والتفسير
يومياً كان لازم نحفظ صفحة حسب ما اذكر غير التلاوة
المواد الاخرى كانت موجودة وعلى ايامي كانت الصفوف الاولى تختبراختبارات نهائية
احب اقول ان مو كل من حفظ القران صار صاحب خلق
وحفظه لمجرد الحفظ غلط كبير
للاسف حفظت 7 اجزاء وانا صغيرة في ال 3 سنين لكن للان لو راجعتهم اقدر اسمعهم
اتوقع مشكلة مدارس التحفيظ مشكلة مجتمع وليست مشكلة دين
للاسف مافي حلول وسطى ونادر وجود العقلانية
لكن وجودها نعمة .. انما استخدامها هو الاختبار
تدوينة جميلة
البعض يشعرك بأن مدارس أو حلقات التحفيظ معسكرات مغلقة يلقن فيها الإنسان أفكار لا يتلقاها في مكان آخر ، و هي أفكار كما قلت أنت كانت ببساطة ثقافة مجتمع بأكمله
بالنسبة لموضوع أن خريجي مدارس القرآن أكثر تميزا فلا أحد يستطيع إنكار أثر القرآن في توفيق الإنسان في كل حياته ، و أثر حفظ القرآن على مهارات الطالب العقلية خاصة لو بدأ الحفظ من صغره
شكرا عبد الله أحب مدونتك
وأنا اقول من اراد ان يلبسه ابنه تاج يوم العرض الاكبر .. فليدفعه لحفظ كتاب الله .. ومن هنا ينبع فضل مدارس التحفيظ .. فهي تعكس سلوكيات وأخلاقيات الفرد قلبا وقالبا .. عن تجرية شخصيه
تدوينة جميلة اشكرك جدا استاد عبد العزيز بس في ملاحظة في معلمات بيشرحوا تفسير الايات وقت الحصة وبتسمع وبنقرأ الجديد وبكفينا الوقت لكن بالعكس في معلمات بتخد الحصة كلها تهزيء ولما بتطلب منها شرح اية مافهمتها بترفض ._.
"في حفظ كتابه من سورة الفاتحة و حتى البقرة"
الفاتحة والبقرة متتاليتين
اظنك قصدت من الفاتحة الى الناس
كلام صحيح
وما يثار حول مدارس التحفيظ إنما هو من تخطيط أعدائنا وللأسف ينطق به بعض بني جلدتنا هداهم الله..
وأضم صوتي إلى صوتك بتكثيف مادة التفسير حتى يفهم الطلاب كتاب الله.
وأنا أقول هذا وأنا ممن درست في مدارس التحفيظ ووجدنا بركة القرآن في حياتنا والحمد لله.
إرسال تعليق